شهد عام 2025 تحولات جذرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. برزت سوريا جديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد المدعوم من إيران وروسيا، وانفجرت حرب الاثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، بينما أنجز العراق انتخابات وطنية تاريخية في مسار نحو استقرار طويل الأمد. وجاء ذلك وسط سياسة أمريكية جديدة تقلب الأعراف الدبلوماسية التقليدية رأساً على عقب.
في هذا السياق، حلّل خبراء أتلانتيك كاونسل أبرز الاتجاهات التي ستشكل ملامح عام 2026.
الاقتصاد بين انخفاض أسعار الطاقة وتصاعد الديون
يؤكد خالد عظيم، مدير مختبر مستقبل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس، أن ثلاثة اتجاهات كبرى ستحدد ملامح الاقتصاد الإقليمي.
أولها تراجع أسعار الطاقة، ما يدفع الحكومات إلى قرارات استثمارية أكثر انضباطاً ووعياً بالمخاطر، مع تقليص الدعم وتوجيه الموارد نحو الأولويات. هذا التحول يختبر قدرة صانعي القرار على إدارة رأس المال وسط ضغط أجيال شابة تطالب بفرص عمل وحياة كريمة.
ثانيها ارتفاع مستويات الدين وتكاليف الطموح، إذ تتجه دول الخليج إلى تمويل مشاريع ضخمة في الذكاء الاصطناعي والطاقة والبنية التحتية عبر الاقتراض، ما يرفع عبء خدمة الدين ويجعل الأسواق أكثر انتقائية تجاه الدول التي تثبت جدية إصلاحاتها.
أما الثالث فهو مرور عشر سنوات على إطلاق رؤية السعودية 2030، التي غيّرت ملامح المملكة اقتصادياً واجتماعياً. ويرى عظيم أن العقد القادم سيقيس نجاح المنطقة بقدرتها على تحويل النمو من معتمد على الموارد إلى معتمد على الإنسان، باعتبار رأس المال البشري ثروتها الحقيقية.
احتجاجات العطش والعدالة الانتقالية
تتوقع جيسو نيا، مديرة مشروع التقاضي الاستراتيجي بالمجلس، تصاعد موجات الاحتجاج في 2026 مدفوعة بأزمتَي المناخ وسوء الإدارة السلطوية. بعد أن نظّم الشباب احتجاجات 2025 عبر تطبيقات الألعاب مثل "ديسكورد" في المغرب، تشير نيا إلى أن العطش سيصبح وقود الاحتجاج القادم مع تفاقم أزمات المياه في طهران وحوضي النيل ودجلة والفرات.
وترى أن المطالبة بالعدالة ستتصاعد، خصوصاً في الدول الخارجة من النزاعات. في سوريا مثلاً، يباشر محامون وناشطون منفيون سابقاً بناء آليات عدالة انتقالية من داخل البلاد بعد سقوط الأسد. وفي إيران، يواصل ضحايا القمع والتنفيذ الميداني حشد الدعم الدولي لردع الإفلات من العقاب. أما في غزة، فالمجتمعات العربية تزداد رفضاً لصمت حكوماتها وتطالب بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد المدنيين.
مفترق طرق سياسي واقتصادي حاسم
يصف جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة الأمن في الشرق الأوسط بالمجلس، عام 2026 بأنه عام الاحتمال المزدوج: فرص هائلة مقابل مخاطر جسيمة. فالدول الخليجية تمضي لتعزيز استقلالها السياسي والاقتصادي، بينما يمكن لسوريا ولبنان أن يتحولا إلى نموذج للتعافي أو يعودا إلى الصراع الطائفي.
ويواجه العراق اختباراً حاسماً للحفاظ على استقراره الفريد بعد انتخابات ناجحة، وسط ضغوط أمريكية للحد من نفوذ الميليشيات الموالية لإيران. ويشير فيكتوريا تايلور إلى أن رئيس الوزراء المقبل يمتلك فرصة لصياغة سياسة خارجية أكثر استقلالاً، وربط العراق بشبكة تعاون إقليمي جديدة تشمل مصر والأردن والخليج.
أما في إيران، فيؤكد دانيال شابيرو أن البلاد تقف على أعتاب انتقال سياسي مع تدهور صحة المرشد الأعلى علي خامنئي. أي انتقال، كما يقول، قد يفتح الباب لتقارب مع واشنطن ووقف تمويل الميليشيات، أو ينزلق إلى فوضى تهدد المنطقة بأكملها.
وفي ظل الهدنة الهشة بين إسرائيل وإيران بعد حرب يونيو، يضيف ناثانيال سوانسون أن استمرار الهدوء يعتمد على التزام الطرفين بضبط النفس، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية واحتمال تجدد المواجهة إذا تدهورت المفاوضات النووية.
يرى أتلانتيك كاونسل أن عام 2026 سيحدد مصير المنطقة بين طريقين: طريق الفرص والإصلاح والاندماج التكنولوجي، أو طريق الانقسام والتراجع. قدرة الدول على التعاون لا على الانعزال هي التي ستقرر ما إذا كان العام المقبل بداية نهضة حقيقية، أم حلقة جديدة في سلسلة الفرص الضائعة.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/what-will-2026-bring-for-the-middle-east-and-north-africa/

